اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 227
[المسألة الرابعة] :
أنَّ المنكرين للعلم -علم الله عز وجل السابق- خَرَجُوا في زمن ابن عمر رضي الله عنه، فقال ابن عمر في حقهم لمن سأله (أعلمهم أني منهم بريء) وذكر حديث الإيمان -يعني حديث جبريل الطويل المعروف، وفيه من أركان الإيمان، الإيمان بالقدر خيره وشره-.
وهؤلاء كانوا يقولون إنّ الله عز وجل لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها؛ يعني أنّ الأمر أُنُفْ مُستَأْنَفَ يقع ثم يُعْلَمْ.
وشبهتهم -شبهة القدرية هؤلاء- أنهم قالوا: إنّ الله سبحانه عَلَّقَ أشياء في القرآن بالعلم الذي ظاهره أنَّه لم يكن قبل ذلك عالماً، وذلك من مثل قوله ? {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143] ، وهذا فيه تعليق الأمر بعلمٍ سيحصل، قال {إِلَّا لِنَعْلَمَ} يعني أنه قبل ذلك -يعني كما يقولون- لم يكن يعلم من سيتّبع ممن سينقلب على عقبيه.
وهذا الإيراد في الاستدلال بالآية هو استدلال بالمتشابه وتركٌ للمحكمات.
ولهذا يُرَدُّ عليهم هذا الاستدلال بأنَّ هذه الآية تُفهَمْ مع الآيات الأُخَرْ التي فيها عِلْمُ الله ? بكل شيء، حتى قبل وقوع الأشياء كما قال سبحانه {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وكما ذكرتُ لك أنَّ الشيء يُعَرَّف بأنه ما يؤول إلى العلم؛ ما يصح أن يُعْلَمْ أو يؤول إلى العلم.
وكذلك يُسْتَدَلُّ عليهم بقوله {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] والأحاديث الكثيرة التي فيها عِلْمُ الله ? بأهل الجنة، وعِلْمُ الله ? بأهل النار، وعلمه بعمل العاملين، ونحو ذلك قبل خلق الخلق.
ويُستَدَلُّ أيضاً عليهم بقوله سبحانه {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} ، وبقوله {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء:32] ، والآيات في ذلك كثيرة التي فيها ذكر العلم بلفظ {كَانَ} ؛ {كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} .
إذاً يكون الرد على القدرية من وجهين: (1)
1- الوجه الأول: هو أنَّ ذلك اتِّبَاع للمتشابه وترك للمحكم وذكرنا المُحْكَمَات.
2- الوجه الثاني: أنَّ معنى الآية {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [البقرة:143] ومعنى قوله تعالى {وَلَمَّا يَعْلَم اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} ، وقوله {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال:66] ، ونحو ذلك هو ظهور علم الله - عز وجل -؛ لأنَّ علم الله سبحانه وتعالى خَفِيْ، ولا يُحَاسِب العبد إلا على ما ظهر من علم الله - عز وجل - المتعلق بالعبد، وإلا فلو أُنِيط ذلك بعلم الله الباطن دون ظهور الشيء في الواقع المتعلق بالمكلف لكان للمكلف حجة في رد التكليف.
ولهذا الآيات التي فيها ذِكْرُ العِلْمْ اللاحق أو ما سيأتي المقصود منه ظهور العلم.
(العلم الذي سيأتي) يعني العلم الذي سيظهر.
أما علم الله - عز وجل - المشتمل على ما خَفِيَ وما ظَهَرَ، أو عِلْمُ الله السّابق واللاّحق فهذا [.....] بعلم الله - عز وجل - للأشياء الذي هو مرتبة من مراتب القدر.
فإذاً في قوله {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} يعني إلا ليظهر علمنا في المكلفين، فيظهر علمنا فيمن اتبع الرسول ممن انقلب على عقبيه، حتى تكون حجة على هذا العبد.
كذلك {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} هذا مرتبط بالتّشريع.
وعِلْمُ الله - عز وجل - الشّامل -يعني الظاهر والباطن- هذا متّصف الله - عز وجل - به؛ لكن لا يكون معه التّدرج في التشريع.
فالله سبحانه وتعالى جعل العبد المؤمن يقاتل عشرة، ثم ظَهَرَ عِلْمُهُ فيهم أنهم ضعفاء فخفّف، فالتخفيف إذاً مسألة شرعية لما ظَهَرَ عِلْمُ الله الباطن بحالهم فهنا شَرَعَ لهم التّخفيف.
وهذا يعني أنّ الآيات هذه تدل على ظهور علم الله - عز وجل -.
وظهور علم الله - عز وجل - فيهم مُناط بأمرين:
1- الأمر الأول: أن تنقطع الحجة من العبد على التكليف والحساب.
2- الأمر الثاني: أن يُشَرَّع وتظهر الشريعة أو تُسن الأحكام.
وهؤلاء القدرية هم الذين قال فيهم السلف (ناظروا القدرية بالعلم فإن أنكروه كفروا وإن أقرّوا به خُصِمُوا) .
والقدرية هؤلاء سُمُّوا قَدَرِيَّة لأنهم ينفون القَدَرْ.
ونفي القَدَرْ قد يتوجه إلى نفي مرتبة من مراتبه، أو إلى نفي أكثر من مرتبة.
فَمِمَّنْ نفى أكبر المراتب وأعظمها وهي العلم، هؤلاء هم القدرية الأوائل الذين يقال لهم القدرية الغلاة.
ومن هؤلاء -يعني من القدرية- الذين ينفون مرتبة عموم الخلق كالمعتزلة.
والقدرية في ذلك مراتب، وقد لخَّصَ شيخ الإسلام أصناف القدرية بقوله في تائيته القدرية:
ويدعى خصوم الله يوم معادهم إلى النار طُرَّاً معشر القدرية
سواء نفوا أو سعوا ليخاصموا به الله أو ماروا في للشريعة
يعني أنَّ أعظم تلك الفرق التي تُدْعَى القدرية، الذين ينفون القدر، وهم الغلاة نفاة العلم أو المتوسّطون وهم المعتزلة ومن شابههم.
(1) الرد على القدرية لم يذكره الشيخ في هذا الشريط وإنما ذكره إجابة لسؤالٍ في الشريط 17، ثم نبَّهَ الشيخ إلى أنَّه نسي ذكرها في الرد على القدرية، لذا قمت بوضعه في هذا الموضع.
اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 227